الإبادة الجماعية من أخطر الجرائم التي اُرتكبت منذ عصور موغلة في القِدَم ضد الشعوب والأقليات العرقية والدينية، وقد خلَّفت أضراراً وآثاراً جسيمة، وكانت تقف وراءها دائماً دوافع وغايات متعددة سواء ارتكبها المحتلون أو السلطات المحلية أو المجموعات المتطرفة. إنَّ استمرار حدوث هذه الجريمة إلى عصرنا الراهن رغم وجود القوانين والمحاكم والهيئات الدولية، التي شُرِّعت وأُنشئت لمنع الإبادة الجماعية، يدلُّ على وجود ضعف في عمل هذه المؤسسات الدولية، التي لم تستطع منع وقوع الإبادات الجماعية في مناطق مختلفة من العالم.
منذ بداية نشأة الدولة العراقية، تعرض شعب كوردستان لسلسلة من حملات الإبادة الجماعية، التي ارتكبتها السلطات العراقية المتعاقبة عبر عقود عدة. وتلك الحملات خلفت مئات الآلاف من الضحايا الذين مُورست ضدهم صنوف شتى من أوجه الإبادة الجماعية (القتل الجماعي، الإخفاء والتهجير القسري للكورد الفيليين - قصف حلبجة والقرى الكوردستانية بالسلاح الكيماوي - عمليات الأنفال - المقابر الجماعية)، ومازال يعاني الناجون من آثار تلك الحملات. وتعد الإبادة الجماعية ضد الكورد الفيليين واحدة من تلك الحملات، التي خططت لها السلطات العراقية المتعاقبة؛ وذلك وفقا لمراحل عدة، بلغت ذروتها من العنف والتدمير في عهد نظام البعث. إذ قام النظام بقتل وتهجير الكورد الفيليين، وتدمير قراهم ومدنهم. وهذه الحملة هي الوحيدة التي تم تنفيذها في العاصمة بغداد، وفي المراكز الثقافية والأكاديمية والمدنية والسياسية العراقية، إذ تم تنفيذها علنا وعلى الملأ، وكانت النُخب العراقية على علم ودراية بهذه الحملة عن كثب. وعقب سقوط نظام البعث وإلى الآن، تقوم الحكومة العراقية بعرقلة ومنع استرداد حقوق الكورد الفيليين، أما تفاصيل تلك الحملة غير الإنسانية فمازالت سرية ومجهولة. وإلى يومنا هذا، لايزال الآلاف مفقودين، ومئات الآلاف منهم في إيران وغيرها من الدول مسلوبين من جنسياتهم وحقوقهم في المواطنة العراقية، أما أموالهم وأملاكهم فهي مازالت قيد الحجز.
يحاور المؤتمر الإبادة الجماعية ضد الكورد الفيليين من جوانبها كافة (التاريخية، والفكرية، والسياسية، والجيوسياسية، والاجتماعية، والاقتصادية، والقانونية)، لتسليط الضوء من خلال دراسات وبحوث علمية على جميع مكامن هذه الجريمة التي مازالت آثارها قائمة الى يومنا هذا، والوقوف على دوافعها، والتعرف على تجارب الشعوب الأخرى، لتقديم رؤى ونظريات علمية تحول دون وقوع مثل هذه الجرائم في أنحاء العالم كافة، وبالأخص في إقليم كوردستان.